قصيدة في الحب لسيدي الإمام إبن الفارض
هوالحبُّ فاسْلَمْ بالحَشا ما الهوى سَهْلُ
*** فما اختارَهُ مُضنىً بهِ ولهُ عَقْلُ
وعِشْ خَالياً فالحُبُّ راحتُهُ عَنَاً
*** وأولُهُ سُقْمٌ وآخرُه قَتْلُ
ولكن لديّ الموتُ فيه صبابةً
*** حياةٌ لمنْ أهوى عليّ بها الفضلُ
نصحتُكَ علماً بالهوى والذي أرى
*** مُخالَفَتي فاخترْ لنفسك ما يَحلو
فإن شئتَ أن تحيا سعيدا فمُتْ به
*** شهيدا وإلا فالغرامُ له أَهلُ
فمنْ لم يمت في حبِّه لم يَعِشْ به
*** ودون اجتناء النَحلِ ما جَنَتِ النَّحلُ
وقل لقتيلِ الحبّ وَفّيْتَ حقَّه
*** وللمُدعي هيهاتَ ما الكَحَلُ الكُحْلُ
تَعرّضَ قومٌ للغرام وأعرضوا
*** بجانبِهم عن صحتي فيه فاعتلّوا
رضُوا بالأماني وابْتُلوا بحظوظِهِمْ
*** وخاضُوا بحارَ الحبّ دَعوىً فما ابْتُلوا
فهم في السُّرى لم يَبرحوا من مَكانِهم
*** وما ظعنوا في السيرِ عنه وقد كَلّوا
وعن مذهبي لما استحبوا العمى على ال
*** هدى حسدا من عند أنفسهم ضلوا
أحبّةََ قلبي والمحبّةُ شافعي
*** لديكم إذا شئتمْ بها اتّصل الحَبْلُ
عسى عطفةٌ منكم عليّ بنظرةٍ
*** فقد تَعبتْ بيني وبينَكمُ الرُسْلُ
أحبايَ أنتمْ أحْسَنَ الدهرُ أم أسا
*** فكونوا كما شئتمْ أنا ذلك الخِلُّ
إذا كان حَظي الهَجْرَ مِنكمْ ولم يَكنْ
*** بِعادٌ فذاك الهجرُ عندي هو الوَصلُ
وما الصدّ إلا الوُدُّ ما لم يَكنْ قِلَىً
*** وأصعبُ شيءٍ غيرَ أعراضِكمْ سَهلُ
وتعذيبكمْ عَذْبٌ لدي وجوركمْ
*** عليّ بما يَقضي الهوى لكمُ عَدْلُ
وصبريَ صبرٌ عَنكمُ وعليكمُ
*** أرى أبداً عندي مرارتَه تَحلو
أخذتمْ فؤادي وهو بعضي فما الذي
*** يَضرّكمُ لو كان عندكمُ الكلُ
نأيتم فغيرَ الدمع لم أرَ وافياً
*** سوى زفرةٍ من حَرّ نارِ الجوى تغلو
فسُهدي حيّ في جفوني مخلّدٌ
*** ونَومي بها مَيتٌ ودمعي له غُسْلُ
هوى طَلّ ما بين الطلولِ دمي فمِن
*** جفوني جَرى بالسَّفْحِ من سَفْحِهِ وَبْلُ
تَبَالَهَ قوْمي إذ رأوْني مُتيّما
*** وقالوا بمن هذا الفتى مسّه الخبلُ
وماذا عسى عني يُقالُ سوى غدا
*** بِنُعْمٍ لَهُ شُغْلٌ نَعَمْ لي بها شُغْلُ
إذا أنْعَمتْ نُعْمٌ عليّ بِنَظرةٍ
*** فلا أَسعدتْ سُعدى ولا أَجْملتْ جُمْلٌ
وقدْ علموا أني قَتيلُ لِحاظِها
*** فإن لها في كل جارحةٍ نَصْلُ
حديثي قديمٌ في هواها وما له
*** كما عَلِمَتْ بَعْدٌ وليسَ لها قَبْلُ
وما لي مِثْلٌ في غَرامي بها كما
*** غَدَتْ فِتْنَةً في حُسْنها ما لها مِثْلُ
ولي هِمّةٌ تَعلو إذا ما ذكرْتُها
*** وروحٌ بذكراها إذا رَخُصتْ تَغلو
جَرى حُبّها مَجرى دمي في مَفاصلي
*** فأصبح لي عن كل شُغْلٍ بها شُغلُ
وفي حبِّها بِعْتُ السعادةَ بالشقا
*** ضلالا وعقلي عن هدايَ بهِ عَقلُ
وقلت لرُشدي والتنسُّكِ والتُّقى
*** تَخلُوا وما بيني وبين الهوى خَلُّوا
وفرّغت قلبي عن وجوديَ مُخلصا
*** لعليَ في شُغلي بها معها أخلو
ومن أجلِها أسعى لمن بيننا سعى
*** وأعدو ولا أعدو لمن دأبُهُ العَذْلُ
فأرتاحُ للواشينَ بَيني وبينها
*** لتعلمَ ما أَلقى وما عندها جَهْلُ
وأصبُوا إلى العُذّالِ حُبا لذكرها
*** كأنهم ما بيننا في الهوى رُسْلُ
فإن حدّثوا عنها فكُلي مَسامعٌ
*** وكُلّيَ إن حَدّثتُهمْ ألسنٌ تَتلو
تخالفتِ الأقوالُ فينا تبايُنا
*** برَجمِ ظنونٍ بيننا ما لها أصلُ
فشنّعَ قومٌ بالوصالِ ولمْ تَصِلْ
*** وأرْجَف بالسلوانِ قومٌ ولم أَسْلُ
فما صَدَقَ التشنيعُ عنها لِشَقوتي
*** وقد كَذَبَتْ عني الأراجيفُ والنُقْلُ
وكيفَ أُرجّي وَصْلَ من لو تَصوّرتْ
*** حِماها المُنى وَهْماً لضاقتْ بها السُبْلُ
وإن وَعَدَتْ لم يَلحقِ الفِعلُ قَولها
*** وإن أوعدتْ بالقولِ يَسبِقُهُ الفِعْلُ
عديني بوَصلٍ وامْطُلي بِنَجازه
*** فعندي إذا صحّ الهوى حَسُنَ المَطْلُ
وحرمةِ عهد بينَنَا عنهُ لم أَحُلْ
*** وعِقْدٍ بأيدٍ بينَنا ما له حَلُّ
لأنْتِ على غَيْظِ النوى ورضى الهوى
*** لدي وقلبي ساعةً مِنكِ ما يَخلو
تُرى مُقلتي يوماً تَرى من أُحبّهم
*** ويَعتبُني دَهْري ويَجتمعُ الشَّمْلُ
وما بَرِحوا مَعنىً أراهمْ معي فإن
*** نأوا صورةً في الذهنِ قامَ لهم شَكْلُ
فهم نُصْبُ عيني ظاهرا حيثما سَرَوا
*** وهُمْ في فؤادي باطنا أينما حَلُّوا
لهم أبدا مني حُنُوٌّ وإن جَفَوْا
*** ولي أبدا مَيْلٌ إليهمْ وإن مَلُّوا
_____________